هذا السؤال طغى على المشهد أمس، على وقع انتقال معركة “يا قاتل يا مقتول” بين عون والحريري إلى مرحلة أقرب إلى استخدام السلاح الأبيض، في ما بدا، وفق أوساط مطلعة، مبارزة بالسيف تركّز على تسديد نقاطٍ تمعن في تهشيم صورة الرئيس المكلف وترْكه أمام اعتذارٍ اضطراري تحت وطأة جدار الشروط التي لا يمكنه التسليم بها لاعتبارات داخلية وخارجية، كما حجم الإساءات الشخصية التي يتعرّض لها وتشكل إحراجاً له لِما يمثّله موقع رئاسة الحكومة في لعبة التوازنات الدستورية والطائفية.
ومع تكريس تَحَوُّل العلاقة بين عون والحريري ركاماً وتالياً انهيار مسار تأليف الحكومة بالكامل وسط رفْع الرئيس المكلف معادلة لا اعتذار ولا استسلام أمام الشروط، تدافعتْ المخاوف في بيروت التي لم تهنأ باستفاقة السلطات وإعلانها حال طوارئ صحية وقفل البلاد مع حظر تجول على مدار الساعة واستثناءاتٍ قليلة (شملت المطار) لزوم محاولة تصفيح شبكة الأمان التي مزّقها كورونا تاركاً البلاد في شِباك الفيروس الفتّاك وكوابيس صارت ترتسم في المستشفيات وبيوتات سكنها المرض والموت.
ولم تعُد الأوساط الواسعة الاطلاع تكتم أسئلة كبرى من نوع، ما الذي، أو أي حدَث، يمكن أن يكسر حلقة المراوحة القاتلة في حلقة جهنمية من انهيار مالي – اقتصادي – وبائي مضافاً إليها مأزق سياسي، فيما المجتمع الدولي لا ينفكّ يُعطي إشارات قَرَف من أداء الطبقة السياسية التي يستثمر بعضها في حُطام التايتنيك إما لحسابات داخلية سُلطوية وإما إصراراً على استرهان البلاد حتى آخر رمق لصراع المحاور في المنطقة وحاجة إيران لإبقاء كل أوراقها ملقّمة ملاقاةً لدخول جو بايدن البيت الابيض.
وما يزيد المخاوف من مرحلة لبنان المتروك أن المكاسرة بين عون والحريري في الساعات الأخيرة لم تترك مجالاً لتَصَوُّر إمكان بقاء خط رجعة، كان كثيرون اعتبروا أساساً أنه انتفى منذ أن رفع رئيس الجمهورية عشية تكليف زعيم المستقبل في تشرين الاول الماضي فيتو غير مسبوق على تسميته، لتثبت الأسابيع الماضية أن علاقة الرجلين، ومعها علاقة الحريري بباسيل واعتبارات تحالف “التيار الحر” – حزب الله وإن بتقاطعاتٍ تفيد حسابات كل منهما، تجعل استعادة فترة التعايش التي شكّلت تسوية 2016 ناظمها السياسي… من الماضي.
ولم يكن ينقص التوتر العالي على خط عون – الحريري الذي ارتفع منسوبه بعد كلام باسيل الأحد، إلا ما سجّلته كاميرا فيديو من دردشة دارت بين عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، قبيل انعقاد المجلس الأعلى للدفاع (الاثنين) سأل فيها دياب رئيس الجمهورية عن وضع التأليف فأجابه: “ما في تأليف. عم يقول (الحريري) عطاني ورقة. عم بيكذّب. عامل تصاريح كذب وهلق ليك قديش غاب.ليك حظن اللبنانيين، وهلق راح عتركيا ما بعرف شو بيأثر”. وأحْدث هذا الفيديو الذي كانت محطة الجديد أول من عرضه، صخباً قوياً في بيروت حيث اختار الحريري أن يرد على عون بعبارة من الكتاب المقدس عن المكر والغش في تغريدة، قال فيها “من الكتاب المقدس – سفر الحكمة: ان الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر، ولا تحل في الجسد المسترق للخطية، لأن روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحول عن الأفكار السفيهة، وينهزم اذا حضر الإثم”.
ومع تَفاعُل ما وُصف بفيديو الشتيمة، انبرى القصر الجمهوري وفريق عون لما يشبه الهجوم إلى الأمام متفادياً الاعتذار او التنصل من كلمة بكذّب، وناقلاً المسألة لكونها تحريفاً اتّهم الجديد بالقيام به عبر إيرادها أن رئيس الجمهورية قال لدياب “الحريري عم يقول عطاني ورقة” (في إشارة الى تشكيلة الـ 18 وزيراً التي أودعها اياه قبل اسابيع قليلة) في حين أن الرئيس قال “ما عطيناه” (أي ان عون لم يسلمّه لائحة مضادّة بأسماء وزراء)، ليستعين “التيار الحر” في بيانه – الرد بالقرآن الكريم: “قال الله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105]”.